الرئيسية / مقالات / أم اكهيف… وأم خلوف… وأنا
منظمة السلام والصداقة الدولية

أم اكهيف… وأم خلوف… وأنا

newswekarabi

جمعه الدبيس العنزي

 

سنوات عجاف تعصف بكلٍ منا… وقبلها سنين رخاء تناوبت مع أيام عصيبة…

(وتلك الأيام نداولها بين الناس) فيومٌ علينا ويومٌ لنا … ويومٌ نساء ويومٌ نسر…
وتمضي الأيام… ويمضي حكم الله في خلقه، ونعي تماماً أن كل شيء مقدر بقدره وأن الرزق مكتوب والعمر مقدر وكل شيء يسير بأمر خالقنا العدل الصمد جل شأنه…

 

 

تعود بنا الذاكرة أدراجها إلى أيام الصبا والبراءة…
يتراءى لي كطيف عابر وجه جارتنا الطيبة جدتنا( أم خلوف) واستجمع في ذاكرتي تلك القسمات الطيبة التي جبلت على النقاء وحب الخير وزرع الأمل هنا وهناك…

كنا نلجأ إليها كلما ألم بنا خطب… صغير ونحسبه كبيراً

بائعة الأماني…

هي تلك
كانت عابدة, زاهدة, صامت نصف عمرها الذي عاصرناه, لا تترك فرضاً ولا نافلة,
كنا ندرك بفطرة بسيطة أن كل الأمور بيد الله، وأن للكون نواميس دقيقة تسيّره…

ورغم ذلك نبحث عن فسحة أمل وشيء مجهول قد يأتي من الأفق البعيد…
تُخرج أم خلوف كيسها الصغير وعلى الأرض غالباً تنثر محتواه…
أصداف… حصّيات بيضاء وسوداء… قطع زجاج ملونة… نوى تمر… وأشياء أخرى نجهلها (وهي كذلك) كنا نرى فيها الغموض كله…
تصفن ملياً ونحن نراقب عينيها الغائرتين وننتظر أن تنطق ببنت شفة…
بحركة جذابة ومتقنة تقلب محتوى خارطة الأماني… يميناً, ثم يساراً, ثم إلى الخلف, فالأمام, وقد يستدعي الأمر أن تستخدم أصبعاً واحداً لتحريك إحدى القطع
أو لتثبيتها في وضع معين وهي تهز رأسها بهدوء وسكينة، وهنا يصل التشويق إلى ذروته… اقتربت ولادة الحلم
تنساب كلماتها عذبة واثقة بهدوء من شفتيها الذابلتين ونحن ننصت بعمق:
مررت بظروفٍ صعبة؛ ولكن ستنجلي الأمور قريباً… أنظر
سيأتيك (طارش) بنبأ سعيد خلال أيام
هناك من يكن لك ضغينة ولكن الله سلّمك منه ورد كيده إلى نحره…
ثمة من يفكر بك كثيراً… أبحث عمن يودك
تمرير في غاية العفة لمشاعر إنسانية راقية ولدت مع كل البشر… إنه الحب
تسترسل الجدة ونحن نتحلق حولها في عيون تشع بالأمل وقلوب تبحث عن سكة للسعادة في ثنايا ذاك المجهول….
نهرب من واقع مر ندركه ونعيه إلى خيال يرحل بنا إلى النجوم والمدى المعشوشب ووجه ملائكي ينتظرنا هناك… فوق غيمة
أم اكهيف… سعيدٌ حظه من تزوره تلك, هي قوقعة صغيرة لحلزون ربما؛ تتدحرج بشكل عشوائي ندركه, ونتجاهله إذا ما وصلت أمام أياً منا, والفرحة الكبرى إذا

ما أخذت شكلاً معيناً واستقرت…

(أكهفت لك أم اكهيف) جملة من ذهب تنطقها أم خلوف بعد صمت طويل وتمعن شديد وإيماءة بالرأس تنم عن ثقة مطلقة
وحبور لا يوصف…

ماذا يعني ذلك ؟

الكثير الكثير… النجاح في المدرسة, فوز فريق الحي لكرة القدم, شراء دراجة جديدة

عودة الغائبين من وراء البحار محملين بالهدايا، والأهم طبعاً…

انتصار الحب الذي لم يأت بعد!

آه يا جدتي… تتوالى الأيام تتبعها الليالي, وتمضي شهور وسنين… نتجرع مرارات الدفلى
ما أشد حلكة الليالي وما أقسى الشهور والسنين التي عشنا ونعيش…
مازالت أبصارنا ترنو إلى الأفق بحثاً عن شراع أمل وزورق نجاة…

 

 

تعيش الطفولة بأعماقنا فنبحث عن بائعة الأماني…
مضى العمر… ولم تأت (أم اكهيف)

جمعه الدبيس العنزي

عن مؤيد علي

شاهد أيضاً

نوره العلم والتفوق والابداع صنوان

اخواتي اخواني عندما يكتب الدكتور علي عن شخصية فتيقنوا انه رأى جوانب تثير الاهتمام وتستحق …