الرئيسية / الرأى / الكتابة على الجسد.. البشر بوصفهم صورا
منظمة السلام والصداقة الدولية

الكتابة على الجسد.. البشر بوصفهم صورا

newswekarabi

شيماء محمد

 

 

باتت الكتابة على الجسد نظرية شاعت إلى درجة غير مسبوقة في السنوات القليلة الماضية مع تنامي الاهتمام بالثقافات والمجتمعات المهمشة.

ففي الأساس تعبر الكتابة على الجسد عن السبل، التي يكتب بها البشر هوياتهم من خلال رسم الاستنتاجات فيما يتصل بأهمية المظهر الخارجي أي الجسد، وبكلمات أخرى نكتب هوياتنا على أجسادنا من خلال اتخاذ قرارات فيما يتصل بلون الشعر وحجم الجسد ولون البشرة وعلامات أخرى بارزة.لكي يفهم هذه النظرية على المرء أن يدرك أن الجسد يمكن أن يرى كنص، فنحن نعني بأن الجسد مكان حيث يحاول الآخرون أن يفهموا من نحن بوصفنا بشراً من خلال تأويل ما ترمز له ملابسنا وحجوم أجسادنا وعلامات فارقة أخرى.لذا هناك ثمة ثلاث طرق رئيسة تتصل بالنظر إلى الكتابة على الجسد:أولا: النقوش الموروثة: يخرج الجسد البشري من الرحم وقد كُتب عليه سلفاً مفردات العرق والجنس وجوانب أخرى لا نستطيع أن نغيرها، لكن هذا النوع من الكتابة ليس له من دلالة أو أهمية إلى أن  يكتب من جديد ويقرأه البشر الذين يمنحوه دلالته الثقافية ويحددوا معنى هذا النص بطرق شتى سلبية كانت أم إيجابية.ففيما يتصل بالنساء يكتب عليهن عبر عملية النوع، والنص يكتب على أجسادهن ليتحدث عن جنسايتهن ويستخدم لإبداع نصوص تجرد التجربة الفعلية المعاشة من قيمتها.بكلمات أخرى، لأن النساء يرين أحياناً بوصفهن موضوعات جسدية فقط،  وغالبا ما يتم تجاهل مستوياتهن الثقافية وتجمعاتهن الاجتماعية والاقتصادية وحتى شخوصهن.فمثلا يكتب على النساء الأفروأميركيات بعدة طرق، كون لون البشرة هنا يهيئ حيزا واسعا يمكن أن تكتب عليه الكثير من النصوص.ثانياً: الكتابة على جسد المرء: ثمة عديد من طرق تمكننا من أن نكتب فيها على أجسادنا، فهناك التاتو والبيرسنغ والندوب، وعمليات التجميل والترقيع والملابس وتغيير لون الشعر وشكله….إلخ.ومواقع الجسد، التي نختارها لكذا كتابات تشي بدلالات هامة. فالوشم له أمكانه المعينة. مثل على الزنود والأكتاف وخلف الرقبة وعلى الصدر وعلى الفخذين وعلى الساقين والكاحلين.ولكل مكان منها دلالته الخاصة. كما للأشكال التي تكتب دلالاتها أيضاً. فهناك من يرسم الخنجر المتقطر دماءً على الذراع وهناك الأفعى التي ترسم على بطة الساق.إن الوشم والبيرسنغ هي نصوصنا التي ننقشها على أجسادنا التي نرغب أن يقرأها الآخرون. فالشاب الذي يرسم على ذراعه خنجراً يتقطر منه الدم، لربما يرغب أن يراه الآخرون على أنه شخص عدواني وعنيف.وأما المرأة التي تصبغ شعرها بالأزرق أو الأخضر تزين أنفها وربما حاجبها بحلقة فلربما تريد أن توحي للآخرين أنها امرأة مختلفة مستقلة.ثالثا: إعادة كتابة أجساد الآخرين: رغم أننا نختار أن نعدل من حجم شحمة الأذن أو نشم وجوهنا، لا نستطيع أن نضمن أن نصوصنا المنقوشة ستقرأ بالطرق التي أردناها لها. فنحن لا نستطيع أن نسيطر على النصوص التي كتبها آخرون على نصوص نحن كتبناها.فالشاب الذي وشم ذراعه بخنجر يتقطر منه الدم لربما يريد من الآخرين أن يقرؤوا وشمه هذا بوصفه يجسد العدوانية، لكن أحداً آخر يمكن أن يعيد الكتابة فوقه و ينظر إلى الرجل على أنه مجرد مجرم.وأما المرأة التي صبغت شعرها ووضعت الحلق فلربما ترغب أن يقرأ الآخرون تلك النقوش على أنها علامات تشي بالتميز والاستقلال، آخرون ربما كتبوا فوق نقوشها ونظروا إليها على أنها خارجة عن قيم المجتمع أو على أنها مدمنة مخدرات. تلك هي بعض من الطرق التي تمكننا من أن نتفحص الكتابة على الجسد، وما الأمثلة التي استعرضناها سوى محفزات تجعلنا نفكر  بالطرق التي كُتبت بها أجسادنا والطرق التي نكتب بها على أجساد الآخرين.لقد كان هاجس الإنسان ومنذ البدء أن يقلد الطبيعة، ويتشبه بها، وما الفن إلا تعبير عن ذلك، فقد أخذ الإنسان يعبر عن رؤاه وهواجسه  من خلال رسومه.رسم الطبيعة بكل تجلياتها وما عجز عن رؤيته فقد تخيله. والأمر كذلك كان لابد من موضوعات، والموضوعات كانت بمتناول يده، واللوحة كانت جدراناً وفيما بعد باتت قطعاً من قماش لتستمر الحكاية حتى تصل تلك اللوحات إلى جسد الإنسان.للوشم أو فن “التاتو” جذور قديمة  تعود إلى اليابان فهو يعرف بفن “الإيريزومي”، واشتقت  الكلمة الإنجليزية تاتو (tattoo) من اللغة التاهيتية. إذ يحول الوشم ضحاياه إلى قطعة فنية، ويعاني الموشوم من عملية تجميل صارمة  تذهب معه إلى اللحد. وباستخدام المخرز والإزميل (أسياد هذا الفن لا يستخدمون الإبر) تكتمل عملية تشويه فريدة للجسد ليصبح عملاً فنياً متقناً، بقدر ما هو مناف للطبيعة.

ويحول هذا  الأثر  الفني المازوخي الجسد إلى لوحة، ويحول الجمال إلى شيفرات تدل على القمع والكبت أحياناً، وعلى  القوة أحيانا أخرى. إذا كان الإيكيبانا  فن تعذيب الأزهار فإن الإيرزومي فن رسم الألم على الأجساد البشرية.ولمن قرأ رواية  هرمان ملفل “موبي ديك” أو شاهد نسخة الفيلم لا بد وأن يخطر في باله شخصية ” كويكويج” تلك اللوحة المتنقلة.وعزي ذلك الفن في القرن الثالث ميلادي  إلى شعب “وو” Wo وهم سكان جزر كيوشو  الجنوبية في اليابان. لقد كان رجال هذه الأقوام صغاراً وكباراً يشمون أجسادهم ووجوههم ويزينوها بأجمل الرسومات. وكانوا مغرمين بالغوص في أعماق البحار لاصطياد الأسماك والمحارات ليزينوا بها أجسادهم كي يبعدوا  أسماك البحر ووحوشه  الكبيرة.لقد كان الهدف من الوشم في بداياته هو التشبه بالطبيعة أو التماهي معها. فصور الحيوانات التي كانت تظهر على أجساد البشر كانت أيقونات حاول البشر من خلالها أن يتقربوا إلى الطبيعة بكل تحلياتها. فإذا كان الإنسان الأول رسم على جدران الكهوف والمغاور صوراً لما كان يخشى منه، فإن من أتى بعده نقل هذه الصور وتلك الرسومات إلى جسده ليحملها أنى ذهب.وفي كل مرة كانت ينتقل فيها ذلك الموشوم إلى مكان جديد كان يرسم على جسده عناصر من البيئة الجديدة ومن هنا تنوعت تلك “اللوحات” وبات الإنسان أيقونة متنقلة. لكن ومع مرور الزمن وتطور المجتمعات البشرية وتحولها إلى طبقات وفئات، خضع هذا الفن إلى تغييرات تساوقت مع  التغييرات المجتمعية. ففي الحقبة الإيدوية The Edo era، التي امتدت فيما بين عامي 1603-1867 التصق فن الوشم “الإيروزومي” بالطبقات الدنيا من المجتمع في اليابان وشكلت هذه الحقبة  العصر الكلاسيكي للإيروزومي.وحتى الفنان العظيم  أوتامارو تخلى عن مطبوعاته العظيمة ليتفرغ إلى عدد هائل من رسومات الوشم، ووصل الأمر إلى درجة أن بعض البشر الموشومين كانوا يبيعون أجسادهم سلفا قبل أن يموتوا ليشكل هذا تجارة رابحة في ذلك الوقت.لكن لم تتقبل جميع طبقات المجتمع هذا الفن بل وصل البعض إلى رفضه واعتباره ضربا من شذوذ، وذلك أن هذا الفن التصق بالفئات المهمشة من المجتمع وكأننا بها تصرخ صرخة احتجاج يائسة.ففي الوقت الذي كانت فيه تلك الفئات عاجزة عن التعبير بحرية، وجدت سبيلا لإبراز احتجاجها من خلال تحويل أجسادها إلى لوحات تعبر من خلالها عن شعورها.فإلى عهد قريب يرى المرء الوشم على أجساد العمال وأصحاب المهن وعشيري السجون ورجال العصابات وكأنه ضريبة المهنة والانتماء الاجتماعي.لكن، وهذه سنة التاريخ انتقل هذا الفن شأن كل صرعة وتقليعة، إلى طبقات وفئات أخرى من المجتمع، ولم يعد هذا الفن لصيقا بالمهمشين من المجتمع بل انتقل إلى فئات ميسورة بل ومتنعمة.والأمر هذه المرة لم يكن رفضاً لا شعورياً للمجتمع، بل على العكس كان تعبيرا عن فرص ثقافة فنية جديدة اقترنت بالأزياء والماكياج، وبات الوشم جزءاً مكملاً للمظهر دونه يبقى الجسد لوحة فارغة.

شيماء محمد

عن مؤيد علي

شاهد أيضاً

الجامعة العربيه المفتوحه علم وعلوم

              Newswekarabi خوله حمدان         أنشئت …