الرئيسية / حواديث / المتتبي… وهدى فتّال… وأنا
منظمة السلام والصداقة الدولية

المتتبي… وهدى فتّال… وأنا

newswekarabi

جمعه الدبيس

 

شجون على هامش اليوم العالمي للمرأة.


مالئ الدنيا وشاغل الناس، هو ذاك ورب الكعبة، أحمد بن الحسين، وتر الصحراء ونشيد العروبة الخالد، عبارة نقشت في ذاكرتي مذ كنت طالباً في المرحلة المتوسطة (الإعدادية) هناك في مكانٍ ما على تخوم الوطن العربي إلى الشمال… جهة القلب

من محاسن الصدف ربما أن اسم مدرستي كان (أبي العلاء المعري) وللأسم وقعه على النفس، كبرنا ولم ننس أبي العلاء، وزاد إعجابنا به حين عرفنا من هو.

المتنبي (وتر الصحراء ونشيد العروبة الخالد) كانت عنواناً لدرس في مادة اللغة العربية، والمدرّسة (هدى فتال) تلك الشامية ناصعة القلب والبشرة كانت كقطعة ثلج؛ كغيمة، في الأفق، دقيقة الملامح، بأنفها الأغريقي وعينيها السوداوين اللتين لم تخف النظارة الطبية الأنيقة بريقهما، لن أنسى أبداً تلك الابتسامة التي تشع دائماً من ذاك الوجه الملائكي الذي يكاد لا يعرف العبوس قط،  رقيقة كفراشة، لطيفة كنسمة…

مازال طرق خطواتها الرشيقة يرن في مسمعي؛ وهي تتنقل في أرجاء الفصل الدراسي برداء محتشم (كحلي) اللون وحجاب أنيق بنفس اللون

 

هدى… صورة احتفظت بها ذاكرة طفل، فكانت الأجمل والأكثر قرباً للقلب وللروح…

مرت السنين… كبرت، فاستنفرتُ ذاكرتي… فتراءت لي وأنا بقلبّ رجل: ليس كمثلها أنثى

شعور غريب لا يوصف، متناقض ربما، بين القلب والروح…

سألتها حينها: ماذا تعني هذه العبارة؟

قالت: أنتم من يجب أن يجيب على هذا السؤال عندما اكتبه لكم في الامتحان…

لم تجبني على السؤال حينها، ولا في أي وقت آخر…

في يوم الامتحان… كان مطلوباً مننا أن نكتب بضعة أبيات من قصيدة للمتنبي…

كتبت:

ولوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا… ونسيت الشطر الثاني.

مرت الآنسة هدى بجانبي وابتسمت:

– نشف القلم يا جمعة الدبيس… باللهجة الشامية (نِشف الألم يا جمعة الدبيس)

أكمل الشطر التالي…

لم تسعفني ذاكرتي حينها، عجزت عن إكمال الشطر

في الأيام التالية جاءت لإعطاء درسها المعتاد، وللوهلة الأولى التي لمحتني فيها قالت وابتسامتها الساحرة لا تفارقها:

 

لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجال

ِوما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ

ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ

نسيت إذاً… سأحذف لك درجتين.

 

نشف القلم يا سيدتي… وكل هذه السنين التي مرت لم تجفف جذوة الشوق المتقدة أبداً…

نشف القلم… ولم ينشف الألم قط.

 

عرفنا الآن أن المتنبي وتر الصحراء ونشيد العروبة الخالد، عرفنا ماذا يعني حين يقول:

 

ُأنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا

وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِم

 

ألف سنة وأكثر مرت مذ أغمضت جفونك للأبد…

ومازال الناس في مشارق الأرض ومغاربها يختصمون، ويتحاربون، ويتسامرون، ويعشقون، ويفارقون… وأنتم معهم أبداً

 

تطوينا الأيام، وتتلاشى كثير من الصور، ننسى الكثير ممن كانوا؛ اصدقاء، زملاء مدرسة، ذوي قربى، ابناء عمومه…

وتبقى ماثلة في الذاكرة صورتها… هناك تلوح في الأفق، لا يحجبها غبار الوقت، ولا يطويها النسيان

 

أتراها ما زالت تتنفس، أم رحلت إلى جوار ربٍ كريم!

أتراها تذكر ذاك الغلام اليافع بجسده النحيل، أتراها كانت لتعرف أن لها مكانة لم تتزحزح في قلبه…

نشف القلم… ولن يجف الألم ما حييت…

 

 

ولوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا…

لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجال

ِوما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عَيبٌ

  1. ولا التّذكيرُ فَخْرٌ للهِلالِ.

جمعه الدبيس

عن مؤيد علي

شاهد أيضاً

نوره العلم والتفوق والابداع صنوان

اخواتي اخواني عندما يكتب الدكتور علي عن شخصية فتيقنوا انه رأى جوانب تثير الاهتمام وتستحق …