الرئيسية / الأخبار / من روائع التاريخ نقوش الصحابي الجليل خالد بن العاص وأبنائه في منطقة الباحة
منظمة السلام والصداقة الدولية

من روائع التاريخ نقوش الصحابي الجليل خالد بن العاص وأبنائه في منطقة الباحة

 

 

                 newswekarabi

 د.. أحمد فشاش

أجمع الدارسون عربًا وأجانب على أن جزيرة العرب هي موطن أقدم حضارة للجنس البشري، كما أجمعوا على أن أصحاب الحضارات القديمة في وادي الرافدين وبلاد الشام ووادي النيل، يرجعون بأصولهم القديمة الى جزيرة العرب، وأنهم كانوا يتكلمون لغة مشتركة واحدة، هي اللغة العربية الأم، وأن جنوب الجزيرة العربية تحديدًا حتى جنوبها الغربي هي منبتهم الأول . ومنها، أي من جنوب جزيرة العرب وجنوبها الغربي، ابتدأت الهجرات العربية الى تلك البلدان المجاورة()، وإلى معظم القارات القديمة، ويؤكد ذلك أحد العلماء المستشرقين بقوله: (( ومن شبه الجزيرة العربية هذه انطلقت أعظم الهجرات الخصيبة المثمرة في التاريخ العالمي ؛ إذ يُعتقد اعتقادًا جازمًا أن هذه الهجرات قد غيَّرت وبدَّلت تواريخ قارات ثلاث)). بل أظهرت الكشوفات العلمية الحديثة وصولهم إلى قارتي أمريكا قبل الميلاد بأكثر من ألفي عام .
وكان من أهم المنجزات الحضارية التي حققها إنسان الجزيرة العربية وسبق بها غيره من بني البشر أمورًا كثيرة من أهمها: الزراعة، واستئناس الماشية، واختراع الحرف أو الكتابة. ولا شك أن هذا الاختراع هو من (( الاختراعات الكبرى التي غيرت مجرى البشر، وهو اختراع لا تقل أهميته عن أعظم الاختراعات والاكتشافات والمغامرات التي قام بها الإنسان منذ يومه الأول حتى هذا اليوم )) .
وقد مر ذلك الاختراع بتسلسل تاريخي طويل بدأ بالرسوم التصويرية ( شكل 1 ) التي تطورت إلى ما يُعرف بخط البادية أو الكتابة الثمودية( شكل2) التي تعد أقدم كتابة أبجدية في الجزيرة العربية، وعن هذه الكتابة تطورت سائر الخطوط العربية القديمة كالمسند والآرامي والفينيقي (الكنعاني) والنبطي، وكذلك الخط اليونانيّ أو الأغريقيّ( شكل3 ) المقتبس مباشرة عن الخط الفينيقيّ.


وتستقر معظم أراء العلماء المحدثين، أن الخط العربي مشتق من الخط النبطي ومتطور عنه. ولا سيما الذين اعتمدوا على دراسة الشواهد الأثرية التي تؤكد أن الخط العربي متطور مباشرة عن الخط النبطي المتأخر، واستدلوا على ذلك ببضعة نقوش تجمع بين خصائص الكتابة النبطية المتأخرة والكتابة العربية في مراحلها الأولى .
وكان القرآن الكريم هو صاحب الفضل في تخليد هذا الخط وتثبيته، وذلك لأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بتدوين الوحي به، أي بهذا الخط العربي القديم المتطور عن الخط النبطي.
ولقد اتضح للعلماء الباحثين في تطور الخط العربي وجود علاقة بين الرسم الإملائي المستعمل في النقوش العربية الصخرية التي ترجع إلى العصر الذي يرجع إليه رسم المصحف الشريف، وتبين أن الربط بين الرسمين سوف يساعد على فهم الظواهر الإملائية التي تميز بها رسم المصحف على نحو أكثر صلة بواقع الكتابة العربية، كما أن هذا الربط سوف يساعد، أيضًا، على تفهم الأصول التاريخية لكثير من خصائص الإملاء العربي الذي نكتب به اليوم وكُتب به قبلنا منذ قرون طويله .


وفي هذا المقال سوف أتحدث بإيجاز عن أربعة نقوش إسلامية مبكرة، هي للصحابي الجليل خالد بن العاص وبعض أبنائه، رضوان الله عليهم أجمعين . وقد عثرت عليها جميعًا على ضفتي وادي خُرَّة الواقع بين قريتي عالقة ومقمور، من قرى قبيلة الرهوة بسراة غامد في منطقة الباحة . وهو من المواقع المهمة التي كان يمر بجوارها طريق الحج السَّروي أو الجبلي الواصل بين صنعاء ومكة المكرمة .
ونفذت نقوش الموقع الأول ( هضبة الكتاب ) على صخرة داكنة السطح، من نوع الجرانيت( شكل 4 ) ، تعلو بضعة أمتار عن الحقول الزراعية الواقعة على ضفاف وادي خُرَّة، وهي صخرة عظيمة مكشوفة شبه ملساء يتجه سطحها نحو الجنوب الغربي بميل شبه رأسي، وتحتل النقوش معظم مساحة الجهة الغربية الجنوبية من وجه الصخرة، لأنها أيسر الجهات التي يمكن الكتابة عليها، وذلك لقربها من صخرة مجاورة، بحيث يتمكن الكاتب من الوقوف عليها ثم كتابة النقش في الحيز الموالي من تلك الجهة .
وقد نفذت جميع هذه النقوش بطريقة الحك أو النقر السطحي، وهذه الطريقة هي أنسب طرق الكتابة على الصخور الجرانيتية، لأنها قاسية، فيجد الكاتب عليها صعوبة بطريقة النقر الغائر . ويلاحظ ميل الكتابة على تلك الصخرة قليلا ناحية اليمين ، وذلك بسبب سقوط الصخرة في هُوَّة تحتها، كانت ، فيما يظهر ، مغارة يستكن بها الناس .
أما النقش في الموقع المجاور ( شكل 5 ) فقد نُفذ على صخرة صغيرة من نوع الجرانيت، تبلع مساحتها ( 1,95 × 1,10م ) وقد نفذ النقش بطريقة النقر الغائر الدقيق، بعمق يزيد على 3ملم، بواسطة آلة حادة الرأس، وذلك لطبيعة هذه الصخرة التي يغلب على باطنها اللون الأسود ، لوجود عنصري الحديد والبازلت، فلا تتضح عليها الكتابة بالنقر السطحي ، كما في الصخرة السابقة.

قراءة النقوش

أولا: نقش الصحابي الجليل خالد بن العاص
قراءة النقش

أنا خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة أستغفر ربي لذنبي كله
والمغيرة هو ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك المخزومي القرشي. وأمه عاتكة بنت الوليد بن المغيرة، أسلم يوم فتح مكة ، وأقام بمكة ولم يهاجر. روي عن رسول الله عددا من الأحاديث الشريفة، منها قوله صلىالله عليه وسلم: (( إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارًا منه، وإذا وقع بأرض ولستم بها، فلا تدخلوها)).
ولي مكة لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ثم لعثمان، ثم لمعاوية، حتى وفاته في حدود سنة 48 من هجرة المصطفى، صلى الله عليه وسلم.

ثانيًا: نقش عبد الرحمن بن خالد بن العاص .
قراءة النقش :
أنا عبد الرحمن بن خالد أسأل ربي رحمته .
وذكر ابن حجر أنه تابعي، وقد أرسل حديثًا في المسح على الخفين ، قال : وذكره بعضهم في الصحابة . وذكر البلاذري أنه كان شاعرًا ووصفه أبو عبيد البكري بأنه شاعر مجيد، وكذلك ذكر صاحب الأغاني  وأنشد له أبياتًا مؤثرة في الشيب، منها قوله:
رَحَل الشَّبابُ وليتَهُ لم يَرْحَلِ وغدا لِطيَّةِ ذاهبٍ مُتَحمِّلِ
وله نقش آخر عُثر عليه في صنق الزرقاء، قرب بئر الباثة، بوادي نخلة الشامية بالقرب من مكة المكرمة، ونصه : (( رحمة الله وبركته على عبد الرحمن بن خالد بن العاص . وكُتب لسنة أربعين ))  . ويعد هذا النقش من أقدم النقوش المؤرخة في الجزيرة العربية وأهم النقوش الإسلامية من ناحية جودة كتابته وتطورها، وهو يحوي معظم الخصائص الخطية والإملائية لنقشه في قرية مقمور، مما يؤكد أن كاتب النقشين هو شخص واحد . توفي بعد سنة 80 من الهجرة النبوية .

ثالثًا : نقش الحارث بن خالد بن العاص .
قراءة النقش :
أنا الحارث بن خالد بن العاص أستغفر ربي
وصاحب هذا النقش علم مشهور، من وجوه قريش وأعيانها، وهو الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي، ذُكر في رواة الحديث الثقات، وكان من أشهر شعراء الغزل في عصر بني أمية، نشأ في أواخر أيام عمر بن أبي ربيعة. وكان يذهب مذهبه، لا يتجاوز الغزل إلى المديح ولا الهجاء. قال البكري : (( وهو أحد شعراء قريش المعدودين، وكان ذا قدر فيهم، وكانت العرب تفضل قريشًا في كل شيء إلا في الشعر، حتى كان فيهم عمر والحارث والعرجي وأبو دهبل وعبد الله بن قيس الرقيات، فأقرت العرب، أيضًا، لها بالشعر ))  . انقطعت أخباره بعد سنة 80 هـ، وذكر الزركلي وغيره ممن ترجم له أنه توفي في حدود هذا التاريخ . وله ديوان شعر مطبوع، جمعه يحيى الجبوري .

رابعًا : نقش إسماعيل بن عبد الرحمن بن خالد بن العاص.
قراءة النقش
بسم الله الرحمن الرحيم أنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن خالد أخلصت ديني للوارث الوالي

ولم تذكر المصادر لصاحب هذا النقش ترجمة مستقلة، وإنما ذُكر اسمه عرضًا في حديث رواه سفيان بن عُيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، أنه سئل عن الْحُلِيِّ أفيه زكاة ؟ فقال: لا . فقال له إسماعيل بن عبد الرحمن بن خالد المخزومي : وإن كان ألف دينار؟ فقال : ألف دينار كثير أو كبير  .
كما ذُكر اسمه في سلسلة نسب بعض أبنائه وأحفاده، ومن أشهر أبنائه الذين ذُكروا خالد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن خالد بن العاص، وكان خالد هذا جوادًا متلافًا، ذا قدر ومنزلة في قومه، وهو الذي اتخذ الغُمير منزلاً فيما بين ذات عِرْق والبُستان، ويُدعى ذلك الموضع وادي كِندة
وأما زمن وفاة إسماعيل فلم يظهر لي دليلٌ أو قرينة قوية صريحة تدل على ذلك، إلا أن بين أيدينا نصًّا يذكر جلوسه في حضرة الصحابي الجليل جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، ومناقشته في مسألة علمية، والسن التي تسمح للتلميذ، عادة، بالأخذ عن العلماء هي، في الغالب، بعد الخامسة عشرة، فإذا افترضنا أنه حضر مجلس جابر ابن عبد الله، رضي الله عنه، وهو في ذلك العمر ، وكان ذلك في أواخر حياة جابر، رضي الله عنه، المتوفى سنة 75 هـ ، فإنه يمكن تقدير سنة وفاة إسماعيل بإحدى السنوات الواقعة بين عامي 120 – 130 هـ وذلك تقديرًا على متوسط أعمار الناس، وهو ما بين الستين إلى السبعين، والله أعلم .

موقع النقوش
وتتضح قيمة هذه النقوش وأهميتها في دراسة تاريخ نشأة الخط العربي وتطوره من خلال عدة أمور ، من أهمها :
1- إنها تحمل اسم صحابي جليل أدرك الرسول، صلى الله عليه وسلم ، وهو خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة . وكان أحد أعيان مكة وأثريائها وقد اعتنق الإسلام، رضي الله عنه، بعد فتح مكة، وروى عن رسول، الله صلى الله عليه وسلم، بعض أحاديثه، وتولى ولاية مكة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ثم وليها في خلافة عثمان، ثم في خلافة معاوية بني أبي سفيان، رضي الله عنهم أجمعين . وبالرغم من أن هذه النقوش غير مؤرخة إلا أن ذكر اسم خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة، في النقش الذي يحمل اسمه، فضلا عن خصائصه الخطية التي تعيده إلى كتابات صدر الإسلام، يكفي لتحديد الحقبة الزمنية التي كُتب فيها هذا النقش ، وهي بالتأكيد لا تتجاوز تاريخ وفاته، رضي الله عنه . وبالتالي فإنه يُعد أقدم نقش إسلامي صخري يُكشف عنه حتى الآن على مسار طريق الحج السَّروي المار بسراة غامد في منطقة الباحة، بل يُعد من أقدم النقوش الإسلامية التي نفذها أحد الصحابة الكرام. ولا شك أن لهذا النقش، أهميته القصوى في كتابة تاريخ هذه المنطقة، وتاريخ صدر الإسلام بعامة . وأعتقد أنه ثروة علمية عظيمة، ينبغي أن توليه الجهات المختصة اهتمامها؛ برعايته والمحافظة عليه، وذلك باعتباره من أقدم وأهم الآثار الإسلامية التي وصلت إلينا . وكذلك الحكم على النقوش الأخرى التي تحمل أسماء اثنين من أبناء خالد، رضي الله عنه، وهما الحارث وعبد الرحمن()، وكذلك اسم حفيده إسماعيل ابن عبد الرحمن، فإنه يمكن تحديد تاريخ تلك النقوش من خلال دراسة سيرة هذه الشخصيات المعروفة، ومن خلال الحقبة التي عاشوا فيها.
2- تعد هذه النقوش وثيقة علمية أصيلة ونادرة سوف يعتمد عليها الدارسون، بإذن الله، في مقارنة وتتبع مسيرة الخط العربي ومراحل تطوره منذ أزمنة تاريخية مبكرة، حيث تقدم شواهد خطية جليلة لكتبة من وجوه مكة وأعيانها في عصر صدر الإسلام وبني أميه؛ مما يجعلها في مقدمة أفضل الشواهد للخط المكي الذي يعد أول خط عربي كُتب به المصحف الشريف، وكان هو البذرة الاولى التي انتجت هذا الكيان الحضاري العظيم لدولة الإسلام .
3- تثبت بالدليل المادي أن مكة المكرمة أو الحجاز بعامة هو الموطن الأصلي للكتابة العربية، ففي هذه البلدة عُرفت وتطورت وبرزت جميع مقوماتها ككتابة قائمة بذاتها، ومن ثم انتشرت الى مختلف الأقطار التي أشرق عليها نور الإسلام .
4- تقدم صورة واضحة للمرحلة التي وصل إليها الخط العربي في زمن مبكر من تاريخ الحضارة الإسلامية، ولا شك أنه لم يصل إلى هذه المرحلة من الجمال والإتقان إلا بعد مروره بمراحل طويلة من النمو والتطور على يد هؤلاء الحجازيين .
5- تؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن العرب في صدر الإسلام، ولا سيما أهل مكة،كانوا أصحاب قراءة وكتابة، ليس على مستوى الأفراد وحسب، بل على مستوى الأسرة الواحدة أحيانًا؛ بدليل أن عددًا من أفراد أسرة ابن العاص، له نقش أو أكثر في هذه المنطقة وخارجها . وكل تلك النقوش ظهرت في غاية من الإجادة والإتقان؛ مما يؤكد انتشار الكتابة وشيوعها بين كثير من طبقات المجتمع في ذلك العصر، وما ذلك إلا امتداد لما كانوا عليه في الجاهلية من معرفة للقراءة والكتابة.
والعجب ممن يجرؤ على اتهام العرب بأنهم أُمَّة أُميّة لا تقرأ ولا تكتبت، وهو يعلم بأن جزيرة العرب هي من أكثر بقاع الأرض التي تنتشر على صفحات صخورها النقوش الكتابية التي يعود تاريخها إلى أزمنة مختلفة من بعد ظهور الإسلام وقبل ظهوره بنحو ألفي سنة قبل الميلاد.. إن هذا يدحض الزعم بأن الصحابة أو عرب الحجاز أو العرب بصفة عامة لم يكن لهم معرفة جيدة بالقراءة والكتابة. وقد ذهب إلى هذا الرأي قديما ابن خلدون في قوله : (( فكان الخط العربي لأول الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإحكام والإتقان والإجادة، ولا إلى التوسط؛ لمكان العرب من البداوة والتوحّش، وبعدهم عن الصنائع. وانظر ما وقع لأجل ذلك في رسمهم المصحف حيث رسمه الصحابة بخطوطهم، وكانت غير مستحكمة في الإجادة)) .
ومما يوسف له أن بعض الباحثين العرب المعاصرين ممن اهتموا بدراسة الخط العربي قد أخذوا برأي ابن خلدون، غير أن أكثر ما يلفت النظر في هذا الأمر هو تحمس المستشرقين لرأي ابن خلدون وتأييده بشدة، وعلى رأسهم جولد زيهر، ونولدكه، وبلاشير، وغيرهم كثير، ولهم في إلصاق صفة الجهل بالقراءة والكتابة بالعرب أهداف ومقاصد، منها: إثارة كثير من الشهبات حول تدوين المصحف في العهد المكي، والإدعاء بأن القرآن الكريم لم يكتب إلا في السنوات الأولى من العهد المدني، وذلك بقصد إثارة الشبهات حول سلامة النص القرآني وحفظه من الضياع؛ بناء على أن القرآن المكي يمثل ثلثي القرآن الكريم تقريباً. ومنها : إنكار فضل العرب والحجاز خاصة على الحضارة، فهم يرون أن الخط النسخي مشتق من الكوفي، والكوفة تقع بالقرب من العاصمة الفارسية الساسانية، فلا بد، والأمر كذلك، أن تتأثر الكوفة بالحضارة الفارسية، وبالتالي فإن الخط العربي أصله من بلاد فارس . كل ذلك؛ من أجل أن يسلخوا عن الإسلام ، كما هو عادتهم، كل ميزة وفضل على العالم ، سواء في مجال الكتابة أو غيرها من الفنون والصناعات والعلوم، وينسبوها إلى حضارات سابقة على الإسلام كالحضارة الفارسية أو الرومانية أو القبطية . إلا أن الحقائق التاريخية تثبت أن عرب الحجاز كانت لهم حضارة فذة، فقد كان الحجاز في القرن الخامس الميلادي مركز الثقل الديني والأدبي للعقيدة الوثنية، وله السيادة على سائر أنحاء الجزيرة العربية، فكانت القبائل تحج إلى مكة لتقوم بشعائرها الدينية نحو الآلهة التي اختص عرب الحجاز بسدانتها وحمايتها(). وفضلا عما كان للحج من أثر كبير في ثقافة قريش، حيث كان مجالاً عظيمًا لإقامة الأسواق الأدبية التي يتبارى فيها الشعراء والخطباء من سائر أنحاء الجزيرة العربية، فإن أهل مكة، خاصة، كانوا معتمدين في حياتهم بالدرجة الأولى على التجارة، وهي من أكثر المهن التي تستدعي القراءة والكتابة، من أجل حفظ الأموال ومعرفة الربح والخسارة، وإلا لضاعت تلك التجارة؛ إذ لم يكن لها سجل يحفظها من الضياع والنسيان .

موقع النقوش
أذكر هذا، ونحن نعلم يقينًا، بأن دعوة النبي، صلى الله عليه وسلم، ظهرت بمكة المكرمة، وهنالك عدد كبير ممن أسلم من الصحابة، رضوان الله عليهم، كانوا على دراية تامة بالقراءة والكتابة، وكانوا من كتاب الوحي في العهد المكي، وهي حقبة مهمة جداً، لأن ما نزل فيها من الوحي كان يمثل، كما تقدم، نحو ثلثَيْ القرآن الكريم .
6- تعد من أقدم النصوص العربية التي ظهر على بعض حروفها نقط الإعجام، كما تعد من أفضل النقوش التي اكتشفت حتى الآن للخط الحجازي المكي، والذي تميزت بعض حروفه بظاهرة الإعجام ( التنقيط ) وتؤكد الرأي القائل بأن الإعجام لم يكن من اختراع نصر بن عاصم الليثي ( ت – 90 هـ ) ، وأنه كان موجودا قبله، وأنه كان مستخدمًا في المكاتبات اليومية، وأن نصر بن عاصم كان أول من نقط المصاحف بصورة كاملة، لأن الصحابة جردوها من النقط، بل من أي حلية.
7- تُصوِّرُ مضامين هذه النقوش قوة الإيمان بالله وعمقه في نفوس أفراد هذه الأسرة الكريمة التي تضمنت نقوشهم طلب الرحمة والمغفرة من الذنوب، والإقرار بإخلاص العبادة لله وحده .
8- وأخيرا فإن لهذه النقوش أهمية في الإشارة إلى قدم تاريخ منطقة الباحة وحضارتها وازدهارها الذي يعود الى أوائل القرن الأول الهجري، وعصر بني أمية ، بل إلى عصور ما قبل الإسلام، وتثبت بوضوح الصلات القوية بين سراة غامد وزهران ومكة المكرمة، ويؤكد هذا ما نقله العلماء من أن هذه المنطقة كانت عبر تاريخها وإلى عهد قريب سلة الغذاء لحواضر الحجاز ولا سيما مكة المكرمة()، ولذلك كانت هذه المنطقة طيلة تاريخها الإسلامي من أهم المراكز الحضارية والزراعية والصناعية التي حظيت باهتمام الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية، وغيرهم ممن جاء بعدهم. وكانت تتبع، في الغالب، ولاة مكة المكرمة الذين كان من أشهرهم وأقدمهم خالد بن العاص، رضي الله عنه، ثم ابنه الحارث بن خالد، وهكذا كانت، في عهد حكومات أشراف مكة، حتى استقلت بإمارة خاصة، بعد انضوائها تحت لواء الدولة السعودية الحديثة .

مفاتيح قراءة النصوص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

د . أحمد قشاش

 

 

عن مؤيد علي

شاهد أيضاً

صعوبة التعلم مع الدكتور ال عثمان

“خيرية صعوبات التعلم” تشارك في معرض الحمراء الاستهلاكي صدى العرب شاركت الجمعية الخيرية لصعوبات التعلم …